
World-View ConStruction Loop


أول ما نفعل مذ ولدنا العبث.
نعبث بأقدامنا أول ما لحظنا وجودها؛ نستكشف أطرافنا.
نعبث بأصواتنا حتى قوّمها أهلنا لغة.
عبثًا زحفنا ثم حبونا نعبث بكل ما تطاله يدانا؛ ترانا نضع حشرة بأفواهنا، عبثًا واستكشافًا.
عبثنا بأقلام فرسمنا بيوتًا ووجوهًا وقصصًا لا يراها غيرنا.
عبثنا بأخشاب فبنينا زوارق ولعب نخلّقها بعقولنا.
فمتى استعصى علينا أن حياتنا عبث بعبث؟
علام يثقل قلوبنا أن نعبث حتى نموت خالقين قصصا وملاحم تخصنا؟
أنى لنا استبدال هبة الإنسان الخالدة، الخلق من عبث، بأساطير غيرنا وقصصهم؟
لا يخفى على أحدنا حالة “الذهول” التي نمر بها الآن. وأعني بذلك تمامًا حيرتنا من موقعنا الجديد في هذا الوجود، ألسنا ملوك الأرض وما عليها؟ وبذات الحين، أقصد عجزنا اللامتناهي كأفراد أمام تضاربات العصر من إرهاب وخلافات لا نعلم لها أصلًا ولا نهاية. مؤخرًا بالذات، أدرك الكثير منّا أن ما بنا من نعمة تركتها الأحافير لنا إنما هو زائل، وأننا على عتبة عصر جديد.
لكن يبقى السؤال، أين نقف من كل هذا؟
حضرت مؤخرًا عدة جلسات عقدتها الفيلسوفة روزي بريدوتي Rosi Braidotti ضمن برنامج جامعي تحدثت فيها عن أزمة/فرصة ‘ما بعد الإنسان’ [the Posthuman] حيث ترى أن مركزية الإنسان -كنوع بيولوجي وكعرق وفلسفة- بدأ يهتز بشدة بدءا من الحرب العالمية الثانية وانتهاء بما نصنعه من ذكاء صناعي وهندسة جينية. بذات الحين، نرى الفساد ظاهرا في البر والبحر بما تكسب أيدينا من استهتار واستغلال وجشع، حتى تكاد الأرض تميل بنا وبما عليها.